بحقد وغلّ دفينين يواصل رفسي كبغل مشدود إلى رسن قرب الماء يحاول أن يتحرر ليطفئ عطشه, رفساته العمياء تلقيني تحت قدميه خائرة القوى لكن مبتسمة رغم كل شيء , ذلك أني أدرك عماه البغيض و شوقه الشديد الى بركة الماء الاسنة التي يتوق إليها بشدة .
نبحت كلاب قريبة منه , لا أدري لعلها تبارك عدوانه الاثم على روحي أم تحاول دون رغبة ردعه عن إيلامي , أعرف أن العديد منها يتوق إلى رؤيتي ممدّدة ,ذاوية , و أن يروا البغل أخيرا يستعيد جماح رسنه و يعدو في كل مكان فرحا بوهم الحرية , إلى أن يسلّم ركابه أخيرا لمن ستدفع أكثر في ثمنه و يطأطأ رأسه في يدها طمعا في البرسيم و السكر ,أظن أنه إنتهى اخيرا من رفسي و لعله ملّ من هذه اللعبة فمضى في حال سبيله
بينما نهضت أنا ممرّغة بالوحل و العشب العفن و رائحة البغل النتنة تعلو مسامّي و تقرفني , و لكن رغم كل هذا مبتسمة ,لماذا؟ ؟ ؟ لأنه مجرد بغل في النهاية لا يمكنني ان ألومه جدّيا على ما فعله فهو لا يملك ذرة عقل حيوان توجهه غرائزه فقط لا أكثر فكيف أرد له الضربة بالضربة و الرفسة بالركلة ؟ أنا لا أرضى لنفسي ان أضرب حيوانا لأنه ضربني فتلك قمة الإهانة لإنسانيتي , كل ما أحتاجه الان هو حمام ساخن و بضع أربطة أضمّد بها جراحي العديدة ثم كأس من الشاي الساخن حول الموقد , و أفكر مليا , فربما إبتعت بغلا جديدا يعينني على أعباء الحياة , لكني سأكون هذه المرة قد استوعبت الدرس جيدا فلا أقترب كثيرا من الحيوان و لا أدلله كثيرا فأكيد أنه سيعظّني في النهاية .
بتوقيت قفصة الجنوب
فاتن عمري