سفينة الحمقى

يحكى أن 112 من الحمقى، كل منهم يمثل نوعاً محدداً من التصرفات البشرية الخرقاء قرروا امتطاء صهوة المحيط  زمن العواصف  متجهين إلى الأرض الموعودة “ناراغونيا” أرض السلام و الرخاء . يقود مجموعة الحمقى هذه، القارئ الأحمق: مقتنعاً بسعة علمه، والذي انزوى داخل مكتبه أول الرحلة  وأخذ يلقي الى طاقم النوتية بالأوامر مكتوبة  من كوة في جدار الغرفة  و يطلب منهم  التصويت حولها و اختيار الأنسب منها لقيادة السفينة ,فيما  انخرط  هو في ملاحقة الذباب الذي يطِن محيطاً بمكتبه المكدّس بالكتب، هذه الكتب التي لا يبذل جهداً لمطالعتها واكتساب المعرفة منها .

اختلط الامر على النوتية الحمقى الذين كان أغلبهم يركب البحر لاول مرة , فما بالك في طقس غائم محمل بالعواصف و الانواء , و اقتتلوا فيما بينهم , حول ضرورة تطبيق الديمقراطية في اختيار القرارات , تاركين الدفة خالية تديرها الرياح الهائجة حتى ملأت الأمواج السفينة حينها عمت حالة الذعر الركاب  و زاد هياجهم و علت أصواتهم بالصراخ حول أيهم كان الأصح منذ البداية فانقسموا فيما بينهم : أخذ المؤمنون منهم يلومون البقية على تجديفهم و كفرهم بالرب و المقدسات و أخذوا يطلقون وابلا من الابتهالات و الادعية للرب ان ينقذهم بمعجزة من عنده و ركعوا يصلون املين في ان يتولى الرب قيادة السفينة بنفسه , فيما وقف الحداثيون يسخرون من سذاجة الداعين المبتهلين و يؤكدون أن الحل السليم كان في توليهم دفة القيادة منذ البداية و أن الديمقراطية المطلوب تحقيقها لا تتم بالأدعية و الصلوات , بل بتوليهم سلطة السفينة و تطبيق “مبادئ العلم الحديث في قيادة السفن الصحيح ” , و وسط الشد و الجذب وقفت قلة من الركاب الحمقى يحاولون ربط الحبل بين المتدينين و الحداثيين , املين في راب الصدع و لو متاخرا  و لو كان هذا الصدع هوة تبتلعهم شيئا فشيئا , حتى يستطيعوا العودة لسياسة الحوار السلمي المجتمعي بأصول قديمة و طريقة حديثة . فيما واصل الموج التغلغل الى مفاصل السفينة . غير عابئ بمهاترات الحمقى , الذين لم يتفطنوا الى عتي الماء و وصوله الى رقابهم و لازالوا مشغولين بالتقاتل السلمي حول أيهم كان الأصح منذ البداية .

هذه القصة خيالية بالطبع , اقتبستها من كتاب داس نارينشف (سفينة الحمقى)، لمؤلفه المحامي البازلي، سيباستيان برانت (1458-1521)  ,لا تنتقد القصة  الحماقة في ذاتها، بل تنتقد استمرار البعض في الحماقة لعدم وعيهم بعيوبهم ونواقصهم , فما بالك بحماقة أناس اختيروا ليديروا دفة شعوب  و دول بكل تعقيداتها  و مسؤولياتها  و مشاكلها و ما أشبه مجالس نواب شعوب الثورات العربية بركاب السفينة و رؤسائها بالقارئ الاحمق , وبما أن الماء قد بلغ الحناجر , و لم يبق أمل في يستطيع الحمقى قيادة السفينة و النجاة بها , لم يبقى  الا أن نأمل , و لكن نأمل في ماذا ؟ لم يبق الا أن يتعظ اللاحقون بمساوئ السابقين .

 

ملاحظة : الصورة المرفقة هي من الكتاب الاصلي “سفينة الحمقى ” لسيباستيان برانت

بتوقيت تونس العاصمة

فاتن عمري

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*