تونس بلد الثورة و التعاسة و البؤس

تونس تتصدر قائمة الدول الاكثر تعاسة و بؤسا

 

2

ليس هذا عنوانا ساخرا او مبالغا فيه , فعلا تونس حلت في صدارة قائمة الدول الأكثر تعاسة بحسب “مؤشر البؤس” الذي وضعه الخبير الاقتصادي آرثر أوكون جنبا الى جنب مع سوريا و اليمن .
تونس الخضراء, بلد اثني عشر مليون نسمة تتموقع الى جانب دول تنخرها الحروب و الماسي الانسانية و تسوسها الاطماع الداخلية و الخارجية و لا يستغرب تصدرها لمؤشر البؤس , و تاتي تونس , بلد ” ثورة الياسمين ” المزعومة كما سمتها فرنسا  لتنافس على المراتب الاولى في هذا المقياس , كانه كتب علينا ان ننافس الا على الفقر و الجوع و التخلف الاجتماعي و الافتصادي .

ماهو مؤشر البؤس؟

مؤشر البؤس  حسب ستيف هانكي أستاذ علم الاقتصاد التطبيقي، جامعة هوبكينز ييمكن تعريفه ببساطة بأنه مجموع معدلات البطالة والتضخم والإقراض المصرفي في بلد ما، مطروحا منه النسبة المئوية لتغير إجمالي الناتج الوطني الفردي الحقيقي، فإذا كان مؤشر البؤس مرتفعا فهذا يعني أن البلد المعني يعاني من مستويات مرتفعة من “البؤس”.

كيف وصلنا الى هذه المرحلة؟

وضع اقتصادي بين مطرقة المديونية الخارجية و ستدان الالتزامات الداخلية:

عوامل عديدة تظافرت لتصل تونس الى هذه المرتبة ” المشرفة” عربيا و عالميا, فارتفاع نسبة البطالة التي فاقت المليون عاطلا عن العمل  و الانهيار الاقتصادي المستمر منذ الثورة , ثورة الخبز و الكرامة ( هذه التسمية الحقيقية للثورة) و تعاقب حكومات متالية اتخذت من البلاد حقل تجارب تحاول فيه تطبيق نظريات اقتصادية ما انزل الله بها من سلطان )متخلخلة حينا  و احيانا من وحي صندوق النقد الدولي ( كما حدث في حكومة  مهدي جمعة و الحبيب الصيد) , ارهاب متاصل في جذور الدولة تحركه ارادة حكومية صرف و تقدر الجرعات المناسبة منه كل مرة لتمرر برامجها المتفككة  و اضف الى ذلك كابوس المديونية الخارجية  حيث واصلت  السلطات الجديدة المنبثقة عن الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة نفس السياسات والخيارات التي كانت متبعة قبل الثورة وبعدها في مجال التداين الخارجي و ما يتصل بها من برامج ” الإصلاحات الهيكليّة ” المعتمدة منذ 2012 مقابل حصول تونس على القروض والتمويلات المشروطة لصندوق النقد الدولي, الشيء الذي ادى الى وضع البلاد على منحدر هاوية اقتصادية تهوي فيها تونس دون مكابح سوى قرارات ترقيعية لن تؤدي الى تحسين الاوضاع او استقرارها على الاقل و دخلت الحكومات المتعاقبة في دائرة مفرغة من التداين من جهة و الضغط الداخلي لتغطية احتياجاتها الداخلية من جهة اخرى و يغطي كل هذا هالة براقة من التقارير الحكومية عن قرب اسقرار البلاد اقتصاديا  و بتواصل الوعود المستحيلة من الحكومة اضحى الوضع مكشوفا للعموم الى حد بعيد و هو ان تونس لن تحظى قريبا باقتصاد يفي بمتطلباتها و يرضي شعبها

ثورة اجتماعية تلوح في الافق:

هذه الصعوبات الاقتصادية بدات تخلق زخما اجتماعيا ينادي بضرورة حلحلة الاوضاع و الاخذ بزمام الامور  فتعددت الاضرابات القطاعية طيلة الاربع سنوات الماضية لتصل ذروتها من افريل 2014 الى حدود جوان 2015 اين اعلن رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي حالة الطوارئ في محاولة لقمع التحركات الاحتجاجية المطالبة بالعدالة الاجتماعية و توفير سبل حياة كريمة  , اوضاع امنية مضطربة و زادها تشتتا العمليات الارهابية بين حين و اخر و التي استهدفت هذه السنة قطاع السياحة (حادثتي سوسة و باردو ) زادت من تازم الوضع و بدأت الشرائح المجتمعية المهمشة تعيش على صفيح ساخن من غلاء الاسعار و تقشي البطالة و صعوبة ايجاد فرص عمل للشباب.

حلول اقتصادية ام ديكتاتورية سياسية؟

لم تقف حكومة الحبيب الصيد الحالية مكتوفة الايدي امام تردي الاوضاع الحالية , فقد تقدمت بمشروع قانون الميزانية التكميلية لسنة 2015 والذي واجه وابلا من الانتقادات ووصفه منجي الرحوي عضو مجلس الشعب انه لا يُعبر على أن الحكومة جدية، مصرحا في هذا السياق “هذه الحكومة تتسلى بواقع التونسيين وبأوضاعهم ومستقبلهم”.

الباجي قايد السبسي هو ايضا تقدم بمشروع المصالحة الوطنية , و الذي يتيح عقد صفقة مصالحة مع رجال الاعمال المورطين في قضايا فساد مالي مقابل ارجاع الاموال المنهوبة , قانون برره رئيس الجمهورية بانه لانقاذ الوضع الافتصادي في البلاد و جوبه برفض كبير من طرف العديد من مكونات المشهد السياسي التونسي , الامر الذي دفع بالحكومة الى احياء الماكينة القمعية و منع التظاهرات المناهضة لهذا المشروع بالقوة وصلت حد الاعتداء على المتظاهرين و ايقافهم في السجون و تتبعهم عدليا بحجة حالة الطوارئ والحفاظ على الامن العام و مازال الوضع متوترا في ظل اصرار الحكومة على موقفها من تمرير مشروعالقانون  بالقوة رغم انف الشعب الرافض له .

ختاما , بعد مرور اربع سنوات على فورة الخبز و الكرامة و الحرية , يجد التونسيون انفسهم مطالبين بالحفاظ على ادنى مقومات العيش بصورة اصبح الحديث معها على حقوق كحرية التعبير و النفاذ الى المعلومة وحقوق الاقليات ترفا من وجهة نظر البعض اما م ما يواجهه المواطنون من صعوبات معيشية و مجتمعية لم تتجاوز فقط مبادئ الثورة بل عادت القهقرى بالبلاد سنوات عدة الى ماقبل الثورة و اعادت الى الاذهان السياسة الديكتاتورية القمعية الفاشلة لبن علي و ما جرته على البلاد من انهيار اقتصادي واجتماعي كارثي , فهل يستوجب الامر ثورة اخرى لتعترف بوجود شعب يعيش اكثر من ثلثيه تحت خط الفقرمن جهة , و تتربص به داعش من جهة اخرى , وهل يمكن لثورة اخرى ان تقلب موازين القوى في تونس  و تضع مقاليد الحكم فعليا بيد شعب سئم الاستعمار الاقتصادي لبلاده و كره “شرف ” البقاء في المراتب  الاولى من مؤشر ” البؤس”

بتوقيت تونس العاصمة

فاتن عمري

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*