العشاء الاخير

يفتح باب المطعم الهادئ الكائن بإحدى اركان شوارع العاصمة, يخطو داخله بثقة و تتبعه هي صاغرة , تنتظر عشاءا دافئا و مشاعر ادفأ ,ركن هادئ داخله ضوء الشموع يوحي بسهرة رومنسية , يسالها أي طاولة تريدين الجلوس عليها فتختار طاولة يلفها ضوء هادئ فمازالت بواقي رومنسية تعيش داخلها تنتعش حين تراه ,

يقبل النادل مبتسما ابتسامة واسعة ,تبتسم هي أيضا تظن انهما يبدوان فراشتي حب ,تحل بعد حين طلباتهما على الطاولة و مازال الامل في قلبها بسهرة رومنسية يداعب خيالها و تصطدم نظرتها بعينيه دون ميعاد فلا ترى شيئا  , لابأس هي ادرى الناس بطبعه الميال الى الخشونة , ترتد نظرتها كسيرة, تفكر, لعله لا يراني جميلة و لعل له الحق فمازالت بثياب ارتديها على عجل للعمل هذا الصباح و تسأله : هل تراني جميلة؟ وتبتسم ,هربت نظراته من عينيها , همهم بكلمات لم تفهمها و انطلق يحدثها عن يومه ,بضع أصحاب قابلهم , مشاكل العمل و اغنية جديدة لمطربه المفضل , تسبل نظرتها على خيبة صغيرة و تعزي نفسها قائلة , لعل سؤالي سخيف , تنظر لقطعة خس في الطبق , تسافر فوق سطحها , وحيدة هي في مكان مزدحم ,تشرد بعيدا و لا تذكر فيما , تعود من شرودها لتراه لم يلاحظ حتى غيابها , منهمك هو في كتابة كلمات اغنيته المفضلة ,

لعلي مملة , تسال ذاتها , تلوم شرودها و غياب حس الدعابة لديها , تساله , هل انا مملة ؟ “كل حد و ما عطاه ربي” يجيب ببرود , لحظة, هناك شيء خاطئ في الموضوع , المفروض انه يحبها و يحب كل ما فيها , تصمت لحظة , تسال مرة أخرى , هل تستطيع ان تفهمني , تحسني , يومئ براسه ان لا, تهمس , انت لا تحبني , تصفعه بهذه العبارة و يرجف قلبها تنتظر كلمته, ان يغضب , يتهمها بنكران الحب , لكنه يواصل تصفح حسابه على الفيس بوك ,

تبتلع خيباتها مع كل رشفة من كاسها , ترقب النبيذ في ضوء الشموع , تشرد في لونه من جديد, يذكرها اللون الأحمر ان مدة مرت دون ان  يهدي لها احد وردة , وردة واحدة كفيلة بإبهاج روحها , لماذا لا يتذكرها , أليست حبيبته , اليست تحبه حد العبادة , الخطأ خطأها , ليست جميلة بما يكفي , و لا مرحة بما يكفي , و لا ثرية بما يكفي , فقط راسها مليء بكتب ,

لا باس , لتحدثه عن عالمها , كتبها , كتابتها , احلامها , تتكلم و تواصل الكلام الى ان تدرك انه لا يسمعها , هو فقط مشغول بتمضية الوقت على وقع صوتها , ينتظرها ان تصمت وتبتسم , ألا تدرك غبائها و ثقل دمها ؟ تقرأ هذه العبارة في عينيه تكاد تنقض عليها و تخرسها، و فعلا تخرس , لم تتألم ,

تحاول من جديد ان تكون مرحة , جميلة , متفهمة , تنظر بترقب في عينيه و لا ترى شيئا , لا حب و لا حنان و لا دفىء , لا شئء يوحي بلمسة يد حانية قادمة من بين أصابعه , تواصل الابتسام , تبدأ بجمع اشيائها المتناثرة فوق الطاولة و معها تنثر ما بقى من حب , في ثواني معدودة تنهض من الطاولة , تتجه نحو باب المطعم و تبتسم للنادل في طريقها للخروج , تنظر من خلال النافذة البلورية , تراه غارقا في هاتفه و لم يلاحظ غيابها , فقط ابتسامة مجاملة تعلو شفتيه , تخطو هي أولى خطواتها في الشارع الواسع الذي لم يشهدها وحيدة منذ عام و نيف , الان هي وحيدة , لكنها و منذ وقت طويل  و هي وحيدة , تبتسم لنفسها , ليست جميلة بما يكفي , ولا ذكية بما يكفي , و لا حتى ثرية , لكنها تعرف انها تحب وجودها و روحها بما يكفي كي ترحل , ترحل دون عودة, فليس ذنبه ان لم يحبها و لكنه ذنبها ان بقيت تحبه.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*